التفسير الديني والنزاع العربي الإسرائيلي

0
23

واشنطن العاصمة – قال السناتور الأمريكي دانيال باتريك موينيهان ذات مرة: „يحق لكل إنسان أن يكون له رأيه الخاص، ولكن ليس حقائقه الخاصة به.“ استُخدِم الدين في النزاع العربي الإسرائيلي أحياناً عديدة لتشويه الحقائق أو لدعم موقف ما. وتشكّل ادعاءات فلسطينية أطلقت مؤخراً بأن الحائط الغربي، وهو أحد أكثر المواقع قدسية في الديانة اليهودية، لم يكن في يوم من الأيام موقعاً يهودياً، مجرد أحد الأمثلة الحديثة على محاولة تغيير الحقائق التاريخية، بينما يشكّل إعلان مجموعة من الحاخامات الإسرائيليين بأن بيع أو تأجير العقارات في إسرائيل لغير اليهود يشكل أمراً مخالفاً للقانون اليهودي مثالاً آخر على استغلال الدين لدفع الأهداف السياسية…

بقلـم مايكل إم كوهين
21 ديسمبر/كانون الأول 2010

إن محاولات استغلال الجدل الديني من أجل مصالح سياسية هي أمور قابلة للانفجار، وتشير إلى تحوّل خطير في ديناميات النزاع، من صدام بين حركتين وطنيتين اثنتين إلى صراع ذو طابع ديني أوسع.

من دروس التاريخ المعروفة أن الحروب الدينية أكثر صعوبة بكثير من حيث القدرة على احتوائها وحلها. ويعود أمر ذلك جزئياً إلى أن تفسيراً ضيقاً وحرفياً للنصوص والعلوم الدينية يعتبر أحياناً كثيرة الصوت الحقيقي الأصلي الوحيد لدين معين، ويستخدم لخنق التفسيرات الأكثر انفتاحاً ومهادنة. إلا أنه وفي خضمّ الأصوات المتنافرة العديدة التي تطالب بأن تُسمَع في المضمون العربي الإسرائيلي، لعلنا نتذكر بأن الأصوات الدينية، بغض النظر عن الديانة التي نتكلم عنها، يمكنها أن تكون كذلك أصوات اعتدال وأمل.

نشير في الدين اليهودي إلى شكل معين من اليهودية على أنها „يهودية الرأي المستقيم“، أو اليهودية الأرثوذكسية، وهو التيار الوحيد الذي تعترف به دولة إسرائيل على أنه حقيقي بشكل صحيح. إلا أنه رغم الافتراضات السائدة، يستطيع المرء أن يجد، حتى ضمن اليهودية الأرثوذكسية، طيفاً واسعاً من التفسيرات. هذا الطيف بالذات هو الذي يسمح للأصوات المختلفة أن تُسمّع، خاصة عندما يعود الأمر إلى عملية السلام. على سبيل المثال أثبت حزب شاس، وهو الحزب الأرثوذكسي السياسي المؤثّر من اليهود الغربيين، أثبت في الماضي دعمه للتسوية الحدودية مع الفلسطينيين عندما دعم عملية أوسلو في تسعينات القرن الماضي. وفي الوقت الذي تحوّل فيه شاس إلى اليمين منذ ذلك الحين، كما حصل مع جزء كبير من المجتمع الإسرائيلي، إلا أنه يبقى مرناً عندما يعود الأمر إلى الأرض مقابل السلام. ويتناقض هذا بشكل كبير مع الأحزاب الدينية السياسية الأخرى في إسرائيل، التي تعارض بشدة موقفاً كهذا.

كيف يفسّر شاس استعداده الأكبر للتسوية؟

بالإضافة إلى „الوصية“ لليهود بالعودة وبالعيش في أرض إسرائيل التي تظهر في التوراة (أعداد 53:33)، هناك أيضاً مبدأ „إنقاذ الحياة البشرية“ (اللاويين 5:18)، الذي يمكنه إبطال الوصايا الأخرى. هناك هؤلاء الذين يناقشون أنه إذا انسحبت إسرائيل من الأراضي الفلسطينية التي احتلتها في حرب الأيام الستة عام 1967 وسلمتها إلى الفلسطينيين حتى يتمكنوا من إنشاء دولة لهم، فإن ذلك سوف ينقذ أرواحاً من خلال وضع نهاية للنزاع.

بالمقارنة، وبالنسبة للأحزاب التي تعارض حلول التسوية الحدودية فإن الوصية بالاستيطان في أرض إسرائيل تأخذ أولوية على مفهوم إنقاذ حياة بشرية.

وكما يظهر هذا المثال، فإن تغليب وصية إنقاذ الحياة البشرية على فكرة انسحاب إسرائيل من الضفة الغربية وغزة هو أمر مفتوح للتفسير.

قَبِل حاخامات التلمود بوضوح إمكانية وجود تفسيرات مختلفة للنص نفسه. وهم يستشهدون في التلمود بالنبي إرميا (29:23) الذي يقول „أليست كلمتي كالنار، يقول الرب، وكالمطرقة التي تكسر الصخر إلى أجزاء صغيرة؟“ وقد توسّع الحاخامات في ذلك وقالوا، „كما تكسر المطرقة الصخر إلى شظايا صغيرة، كذلك تقدم النصوص الدينية معانٍ كثيرة“. بالنسبة لحاخامات التلمود، أصبحت قطع الصخر المتعددة مُناظِرة لتفسيرات مختلفة للنص.

جرى أحياناً مقاربة حاخامات التلمود مع حاخام آخر لم يوافقوا على موقفه. أحد هذه الثنائيات الحاخام هيليل والحاخام شاماي. عن آرائهم المختلفة، يصف التلمود (إروفين 13 ب) كيف صرّح صوت من السماء أنه رغم التفسيرات المختلفة كانت مراسيم كل منها „كلمات الرب الخالق“. فقد اعتبرت خلافاتها جزءاً لا يتجزأ من حوار مقدّس.

الواقع أن معظم الحوارات بين هيليل وشاماي انتهت بقرار باتباع تفسيرات الحاخام هيليل لأنه اعتبر أكثر تقبّلاً في توجّهه. ومن الأمثلة على ذلك يوم عيد الشجرة اليهودي المقبل يوم 20 كانون الثاني/يناير، حيث يبدو هيليل، في الجدل بين هيليل وشاماي حول ما هو اليوم الصحيح، فيما يتعلق بالالتزام بذلك اليوم، أنه تأثر بالمكان الذي تقيم فيه غالبية الناس، وحاول استيعاب ذلك في قراره.

تعتبر هذه الدروس هامة عندما يعود الأمر إلى دور التفسيرات الدينية في النزاع العربي الإسرائيلي. من ناحية، نحن نرى أنه لا توجد طريقة أصيلة واحدة لتفسير النص، وإنما ستخرج آراء متنافرة متباعدة من العملية. ونتعلم أكثر من ذلك، من مثال هيليل بأن توجهاً أكثر لطفاً وانفتاحاً يمكن أن يكون مرشداً لنا.

* الحاخام مايكل إم كوهين هو مدير المشاريع الخاصة في معهد عربة للدراسات البيئية (www.arava.org) حيث يدرس الطلبة الجامعيون اليهود والمسلمون والمسيحيون ويعيشون معاً وهم يتدربون ليصبحوا قادة بيئيين في الشرق الأوسط. وهو أيضاً مؤلف „حاخام أينشتاين: قصة العلوم والروح“. كُتب هذا المقال لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية كجزء من سلسلة السياسة والتفسير الديني في المضمون العربي الإسرائيلي.

مصدر المقال: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية، 27 كانون الأول/ديسمبر 2010